درس تونس أثناء الحرب العالمية الثانية - بكالوريا - آداب / اقتصاد وتصرف
المقدّمة: مثّلت تونس ساحة معارك بين المحور والحلفاء من نوفمبر 1942 إلى ماي 1943 وكان للحرب العالميّة الثّانيّة تأثيرا عامّا على السّلط الإستعمارية وعلى الوضع بالبلاد التّونسيّة ممّا ساهم في انتعاش العمل الوطني.
فما هي خصائص هذه الظرفية وتداعيّاتها؟ وكيف تفاعل معها التّونسيون؟
I- الظرفيّة الخارجيّة والدّاخليّة:
1-خارجيًّا: إنكسار فرنسا وتراجع نفوذها الإستعماري:
إحتلت
ألمانيا الجزء الأكبر من الترّاب الفرنسي وركزت حكومة موالية لها منذ 1940 وهي
حكومة "فيشي Vichi" وقد فقدت فرنسا
بذلك جانبا كبيرا من إشعاعها الدّولي نتيجة لدعاية المحور بالمستعمرات والتّشهير
بالسّلط الإستعماريّة (أيّها المغاربة لقد دنى خلاصكم ولا بدّ أن تزول فرنسا).
كما تم الضّغط
على السّلط الفرنسيّة من قبل قوّات المحور من خلال إطلاق
سراح الموقوفين بفرنسا في مارس 1943.
و بعد ماي
1943 ضغط الحلفاء على السّلط
الفرنسيّة لتليين سياستها تجاه الوطنيّين من خلال غلق المحتشدات وإطلاق سراح الوطنيّين في الجزائر وعودة الصّحف
التّونسيّة للصّدور .
2- داخليًّا: الحملة على تونس ومضاعفاتها الخطيرة على
السّكان:
تقدّم
الحلفاء من المغرب والجزائر لتطهير شمال إفريقيا من قوّات المحور فتمّت عمليّة
إنزال وتقهقر قوّات "رومل" من ليبيا وتونس أمام تقدّم الجيش الثّامن
الإنجليزي بقيادة منتغمري ومكنّوا من إختراق الجبهة الألمانيّة بخطّ مارث وإرغام
هذه القوّات على الإستسلام بالوطن القبلي في 12 ماي 1943.
ألحقت هذه
العمليّات أضرارا جسيمة بالبلاد التّونسيّة من خلال سقوط عدد كبير من الضّحايا
المدنيّين وتشريد 120 ألف شخص وتدمير المباني والمنشآت وتراجع الإنتاج واعتماد
تقسيم المواد الأساسيّة وانتشار السّوق السّوداء وتدهور مستوى العيش للسّكّان
وإعلان فرنسا لأحكام عرفيّة والتّجنيد الّتي شملت أكثر من 40 ألف شخص وتسخير عدد
كبير من التوّنسيّين للخدمة في الحضائر التّابعة للجيوش الفرنسيّة والمحور.
وبعد 1934
إعتمدت فرنسا سياسة التّرويع والتّشفي وزُجَّ بأكثر من 10 آلاف في السّجون
والمحتجزات بتهمة التّعاون مع المحور مما أدّى إلى إحتجاجات واسعة في منطقة
المرازيق، رأس الجبل، ومنطقة زرمدين في السّاحل التّونسي.
3- المنصف باي والمصالحة بين العرش والشّعب:
إعتلى منصف
باي العرش في 19 جوان 1942 وهو ابن محمد النّاصر باي وكان مثقّفا متواضعا وطنيّا
حريصا على تمتين علاقته بالرّعيّة وصيانة مصالحها.
عمل المنصف
باي على إحياء السّلطة التّونسيّة واستغلّ الضّعف الفرنسي لإثبات السّيادة
التّونسية فبعث بمذكّرة إلى حكومة "فيشي" في أوت 1942 تضمنت عدّة مطالب
وطنيّة منها تكوين مجلس تشريعيّ إستشاريّ، تمثيل التّونسيّين في المجالس البلديّة،
إصلاح الوضع الإقتصادي والإجتماعي كما انتقد سياسة التّمييز الإستعماريّة وشكّل
حكومة وطنيّة في جانفي 1943 ترأّسها محمد شنيق عملت على صيانة مصالح الأهالي
والمساواة في الأجور بين الموظّفين وإلغاء أمر 1898 المتعلّق بأراضي الأحباس.
ورفض الباي
التّعامل مع المحور رغم الإغراءات واتّخذ موقفا محايدا وأظهر الإستقلاليّة في
القرار وذلك بعد الخلاف مع المقيم العام استيفا Stiva وعمل
على إثبات السّلطة التوّنسيّة فأقبلت سلطة الحماية على عزله ونفيه بتهمة التّعاون
مع المحور فنفي إلى الجزائر ثم إلى فرنسا حتى وفاته سنة 1948.
II- الحركة الوطنيّة التّونسيّة أثناء
الحرب العالميّة الثّانية:
1- إنتعاشة العمل الوطني:
بعد أحداث
أفريل 1938 تحرّك الوطنيّون سرًّا بإصدار المنشورات والإجتماعات والإحتجاجات
وتحرّكات ضدّ المصالح الفرنسيّة وتمّ اعتقال قيادات الدّواوين السّياسيّة
المتعاقبة ثمّ خرج العمل الوطني في عهد المنصف باي فخرج من السّريّة فأسّس الحزب
العديد من المنظّمات والجمعيّات مثل كشّاف تونس، الهلال الأحمر وعودة الصّحف إلى
الصّدور ودعوة بورقيبة إلى مساندة الحلفاء للإستفادة من إنتصارهم بعد الحرب وتأسيس
الإتّحاد العام التّونسي للشّغل في 20 جانفي 1946 للدّفاع عن العمّال بقيادة فرحات
حشاد.
2- تكتّل القوى الوطنيّة:
تحوّل المنصف
باي بفضل مواقفه الوطنيّة إلى رمز السّيادة التّونسيّة إلتفّ حولها مخلتف
الوطنيّين من بينهم الدّستوريّين القدامى والجدد ولم يضعف هذا التّكتّل بعد خلع
المنصف باي حيث نظّم التّونسيّون مظاهرات واحتجاجا على إبعاده ونفيه والمطالبة
بعودته وعدم الإعتراف بالباي المنصّب محمد أمين باي وأصبح يعرف بالحركة المنصفيّة
وبلورت برنامجا يقوم على المطالبة بحكم ذاتي ونظام ملكي دستوري وتمّ الإعلان عن
قيام الجبهة الوطنيّة التّونسيّة في 22 فيفري 1945 جمعت كل ّالتّيارات والقوى
الوطنيّة التّونسيّة وعبّرت مظاهرات 8 ماي 1945 بمناسبة انتصار الحلفاء إستعداد كل
الفئات التّونسيّة للإنخراط في النّضال الوطنيّ.