المنزع العقلي في الادب العربي القديم - الجاحظ - بكالوريا آداب / العربية - تلخيص - الجزء الثالث
الجزء الأول : اضغط هنا
الجزء الثاني: اضغط هنا
* تصنيف الأثر :
كتابات الجاحظ بين التجريبي العلمي و النثري الأدبي ؟؟
هذه الإشكالية طريفة و حديثة، تدرس مدونة الجاحظ من حيث ثنائية العلمي و الأدبي، أي انتماء و تصنيف هذه الآثار (الرسائل و الحيوان ) . فهل تندرج ضمن الكتب العلمية ؟ أم هي كتب فنية أدبية ؟
- مدونات الجاحظ تسبح في بحر جمع بين العلمي و الأدبي، فهي من وجهة نظر أولى، موسوعات علمية من حيث حديثها عن المعارف و العلوم المتعلقة بالحيوان و النبات و الإنسان، وتتجلى العلمية كذلك في التجارب التي يخوضها الجاحظ . وهي من وجهة نظر ثانية مدونات أدبية فنية بأسلوبها و لغتها و طريقة طرحها .
استطاع الجاحظ اعتمادا على مجموعة من الأساليب أن يطوّع اللّغة العربية - و النثر العربي على وجه الخصوص - لمعالجة المسائل العلميّة و الفلسفيّة فأسهم في إثرائها بالكثير من المفاهيم و المصطلحات في غير تعقيد و لا غموض، و من هذه الأساليب نجد :
استخدام التركيب الشّرطي التّلازمي" متى ذهب التّمييز ذهب التّخيير " / ذا كان ...فإنّ .../ لولا ...ل / لولا ..لما...)، أو باستخدام أسلوب الحصر ( ما/ لا/ لم...إلا)، و غير ذلك من ألوان الأساليب المعبّرة عن التفكير الاستنتاجي و استدعاء السابق اللاحق . "فلو كان الشّر صرفا لهلك الخلق..." أو قوله في تفسير الآية " و علم آدم الأسماء كلها "."و لو أعطاه الأسماء بلا معان لكان كمن وهب شيئا جامدا لا حركة له ". إضافة إلى التركيب الاسمي التّقريري الذي يستخدم في إعلان حقيقة أو إثبات مسلّمة ينطلق منها أو نتيجة يتوصّل إليها " أبين الكلام كلام الله " و قوله : " للأمور حكمان " . وغيرها من الأساليب التي تتكرر و تزخر بها المدونة المدروسة.
* القضايا المطروحة :
- تعليم القارئ جملة من المعارف و تصحيحها .
- الدعوة إلى تأسيس منهج علمي في التعامل مع الظواهر الطبيعية .
- الدعوة إلى إعادة النظر في الموجودات.
- التخلي عن المسلمات و الخرافات .
- نقد الفكر الإسلامي القائم على النقل و إهمال العقل .
- تحديد منزلة الإنسان في الكون .
- إثبات وجود الخالق من خلال المخلوقات .
- إبراز قدراته ( الجاحظ ) العلمية و المعرفية .
- بيان مسؤولية العالم في تصحيح المعارف و تنقية العلوم . لقوله : " وينبغي أن يكون سبيلنا لمن بعدنا كسبيل من قبلنا فينا , على أنا قد وجدنا من العبرة أكثر مما وجدوا ."
(...)
2 بعض الشواهد من رسائل الجاحظ :
- " ولولا خوف الملالة و السآمة على الناظر في هذا الكتاب، لقلنا في الاحتجاج عليك بما لا يدفعه وفيما قلنا ما أقنع و كفى " يمكن توظيف هذا الشاهد في بيان أهمية الحجاج في نصوص الجاحظ كما يمكن استغلاله في بيان دور الجاحظ المصحح للمعارف المقنع بالحجة الدامغة ...
- " قد قرأت كتابك فيما وصفت من فضيلة الصمت، وشرحت من مناقب السكوت ..." هذا الشاهد يظهر بنية نص الجاحظ الحجاجي فهذا القول هو نقيض الأطروحة التي سيفندها ويأتي ببديلها، كما يمكن أن نفهم من هذا الشاهد موضوعية الجاحظ في طرح المسائل التي يروم إصلاحها فكأنه يصور نفسه بموضوعية و عفة، فما كتبه فقط مجرّد ردود و أجوبة لرسائل و أسئلة من مستفسرين يطلبون الجواب اليقين، فينتصب بذلك الجاحظ منصب المعلم و المصحح ...
- " و أتيت – حفظك الله – على جميع ما ذكرت من ذلك ووصفت و لخّصت، وشرحت و أطنبت فيها وفرطت بالفهم و بحثت بالحزم ..." فيه بيان لمنهج الجاحظ القائم على إعمال العقل ( شرحت ، الفهم ، بحثت ...) كما في هذا الشاهد نتبين أسلوبه في التعامل مع المتلقي حيث هيمن الرفق و الدعاء وهو أسلوب كلامي بامتياز ...
- " وإنّي سأوضح لك ببرهان قاطع " شاهد يوظف في الحجاج بحيث يعتبر البرهان/البرهنة وسيلة من وسائل الحجاج و الإقناع .
- في سياق دفاعه عن المعتزلة يقول " وأمّا إخبارهم عن عيبنا إياهم حين لم ..." فالجاحظ يعتمد ضمير المتكلم الجمع للدفاع عن المعتزلة و بذلك يبدو انتماؤه إلى مذهب الاعتزال واضحا و جليا ..
- " والتقليد مرغوب عنه في حجة العقل منهي عنه في القرآن " رفض للتقليد و دعوة إلى اعتماد العقل و التأمل في المعارف و العلوم وهذا دليل على المنزع العقلي الذي ينتهجه الجاحظ طريقا و الاعتزال الذي يتبناه مذهبا.
- " و أنّا لا نشك أن من نظر و بحث وقابل ووزن أحق بالتبيين و أولى بالحجة " يمكن توظيف هذا القول في بيان مظاهر المنزع العقلي في تمحيص المعارف و بلوغ الحقيقة ...
ملاحظة : يمكن توظيف هذه الشواهد في غير المواضع التي أوردتها و ذلك وفق اختيار التلميذ ووفق حاجيات الموضوع.
3 على سبيل النقاش:
يمكن مناقشة الجاحظ مناقشة داخلية أي نقاش أفكاره و مواقفه و معارفه مع مراعاة الواقع الذي كتبت فيه هذه الكتب، إلا أنه بإمكاننا أيضا على غرار هذه المناقشة الداخلية مناقشة مواضيع الجاحظ بالعودة إلى الواقع، حيث نجد مواقف الجاحظ اليوم قد فقدت كل قيمة بالنظر إلى التطور العلمي الذي ما عاد يعتمد كل تلك المعطيات بل و نجده قد فنّد كثير المعارف التي توصل إليها الجاحظ .