المنزع العقلي في الادب العربي القديم - الجاحظ - بكالوريا آداب / العربية - تلخيص - الجزء الأول
الجزء الثاني: اضغط هنا
الجزء الثالث : اضغط هنا
إن النقاط الأساسية التي علينا فهمها و إدراكها من جهة أولى، و التعمق فيها وتدعيمها بشواهد في مرحلة ثانية اعتمادا على كتاب الحيوان و الرسائل للجاحظ، لا تتجاوز سبع مسائل تتمحور حول خصائص العلم العقلي عند الجاحظ و هي كالتالي :
أهم المسائل المتصلة " بالمنزع العقلي " عند الجاحظ هي:
- الحجاج
- العقل و الحواس
- المنهج العلمي
- الفكر الاعتزالي
- النزعة التعليميّة
- المعارف
- الموضوعية و عدمها
- تصنيف الأثر
- القضايا المطروحة (...)
نحن مطالبون بتنظيم هذه الأفكار و التوسّع فيها اعتمادا على مصادرنا الأصليّة. فلا نكتفي بالكتاب المدرسي و حسب، بل يجب العودة إلى المدوّنات لإدراك الإشكاليات و فهمها، واكتساب زاد معرفيّ و شواهد تفيدنا في المواضيع. لذلك استحضرنا في العمل الكثير من النقاط المستوحاة من الكتب المصادر.
1 – تفصيل هذه الإشكاليات :
* الحجاج عند الجاحظ :
لا تخلو نصوص الجاحظ من اعتماد مكثف للحجاج بأساليبه و بنيته و أركانه. و نحن في هذه المرحلة سنتطرّق إلى هذه النقاط تباعا، ما الحجاج؟ و ماهي بنيته في نصوص الجاحظ؟ ماهي أنواع الحجج المستعملة؟ وماهي مصادرها؟
من الأفضل البدء بتعريف الحجاج، تعريفا علميّا بسيطا مؤديا للغرض:
+ تعريف الحجاج:
الحجاج أسلوب يعتمد للإقناع بفكرة ما، وهو يتطلّب مجموعة من العناصر:
- الباث : وهو صاحب الفكرة المراد الإقناع بها.
- المتقبّل : وهو الشخص الرافض أو المشكك للفكرة .
- الرسالة : وهي الفكرة المراد الإقناع بها .
- مجموعة حجج (سنفصّل الحديث فيها لاحقا )
- سيرورة حجاج : أي طريقة التمشي و أساليب الإقناع.
ولا تخرج وظائف الحجاج عنده عن الرغبة في الإقناع بموقف أو فكرة.
+ بنية الحجاج عند الجاحظ:
يبني الجاحظ حجاجه بناء منطقيّا يختلف من نصّ لآخر. فيستعرض الأطروحة المدعومة فالمدحوضة. ثم يحاول تفنيدها باستعمال تمشّي منطقي يتمثل في تدرج بناء الحجج من الأضعف إلى الأقوى. وبتنويع الحجج معتمدا المنهج التعليمي الواضح و الجليّ من خلال القرائن اللغوية " التحضيض، الأمر، الدعاء، الالتماس"... وفي نصوص أخرى يقدّم الجاحظ نقيض الأطروحة ليردفها بالأطروحة المدعومة فالاستنتاج.
هذا التمشي يعتبر خطّة حجاجية يعتمدها الجاحظ للدحض و تقديم البديل مستعملا مجموعة الحجج المختلفة نسردها في العنصر الموالي :
+ أنواع الحجج و مصادرها :
ككل كاتب لنص حجاجي، يعتمد الجاحظ حججا مختلفة و متنوعة منها :
- الحجج الواقعية / المنقولة / التاريخية / الدينية ( حجة السلطة ) / التاريخية ... وأخذت هذه الحجج من مصادر متنوعة، فمنها ما أخذ عن السابقين من لغويين و مفسرين، ومنها ما أخذ عن المعاصرين للجاحظ من علماء حيوان و غيرهم، وما أخذت من النصوص الدينية السماوية منها و البشرية كالقرآن و الإنجيل و التوراة أو زرادشت و سومر و المجوس ... وغيرهم من الحضارات و الديانات .
* حجج استدعاء الوقائع :
مباشرة ( المعاينة - التجربة...) وهي متواترة في النصوص .
. عن طريق الوثائق ( الشّواهد النصّية ) و هي كثيرة
برواية من شهدها ( الشّهادات )، مثل :"حدثني صديق لي أنه حبس كلبه..." .
الانطلاق من المسلّمات و البديهيات: " أعلم أنّ الله جلّ ثناؤه خلق خلقه ، ثمّ طبعهم على حبّ اجترار المنافع و دفع المضار..." .
* حجّة السّلطة :
وهي الاستشهاد برأي أو بسلوك شخصيّة تعد مرجعا أو سلطة في المجال لمنزلتها أو شهرتها... ، و معظم سند الجاحظ من هذا القبيل : " فقد كان إسحاق من معادن العلم ..."
* التوصيف :
وهو إصدار حكم إيجابيّ للتّحسين أو التّقدير أو حكم سلبيّ للتّقبيح أو الاستهجان، و ذلك للتّأثير في المتلقي . مثل : " و هذا كلام شريف نافع..."
* الحجة المنطقية/شبه المنطقية :
تبنى هذه الحجة على أساس الربط بين السبب و النتيجة عن طريق الربط بين المقدمات و النتائج و يرد هذا النوع غالبا في أسلوب شرطي. " ولو كان الشرّ صرفا هلك الخلق ".
(...)
* العقل و الحواس :
- يرى الجاحظ أن وسائل إدراك المعرفة عند الإنسان هي : الحواس و العقل .
+ أما الحواس فقاصرة عن إدراك المعرفة , عاجزة عن بلوغ اليقين , كاذبة في نقل المعارف . ذلك لقوله : " و لعمرى إن العيون لتخطئ و إن الحواس لتكذب " .
+ وأما العقل فهو الحجة و الوسيلة المعتمدة لإدراك المعرفة و بلوغ اليقين . فالعقل ميزة الإنسان و هو ممارسة عملية التفكير التي تميزه عن الحيوان . يقول الجاحظ مبينا فضل العقل : " فلا تذهب الى ما تريك العين , و اذهب الى ما يريك العقل . و للأمور حكمان : حكم ظاهر للحواس, و حكم باطن للعقول. و العقل هو الحجة".
هذا الموقف الذي اتخذه الجاحظ من الحواس باعتبارها دون العقل، لا منفعة منها، جدير بالتأمل و الفهم، حيث يمكننا التساؤل عن مدى مصداقية هذا القول ؟ و هل للإنسان العيش بالعقل المحض ؟ أليس للحواس دور في إدراك الحقائق ولو باليسير ؟ ألا نرى الجاحظ مشطا في حكمه مغاليا فيه ؟ ألا نلحظ في أقواله تضاربا حين يجعل المعاينة التي قوامها العين ( الحواس ) جزءا لا يتجزأ من طرق الإدراك ؟
موقف الجاحظ بدا واضحا مبررا من حيث تفضيل العقل على الحواس، لكن موقفنا نحن كناقدين ينبغي أن يشير إلى هذه النقاط و يحاول الإجابة عنها بأسلوب منطقي منهجي مبرر ومدعوم بشواهد مناسبة.