الموضوع: لا يستمد شعر
الحماسة قيمته من الإشادة بالبطولات الحربية والمنجزات العسكرية، بل يستمدّها من
قوّة الإيقاع وثراء العبارة.
حلل هذا القول وناقشه
باعتماد شواهد دقيقة من حماسة ابن تمام والمتنبي وابن هانئ.
تفكيك الموضوع:
المعطى: جاء نصّ المعطى في صياغة
تركيبية قائمة على ثنائيّة النفي والإثبات: لا يستمد...بل يستمدّها...
أمّا المطلوب: فتحليل ونقاش.
يقتضي التحليل التركيز
على العنصر المثبت وإرجاء الحديث عن العنصر المنفي إلى قسم النقاش
وعلى العموم فانّ أطروحة
المعطى تقدّم موقفا نقديّا يحصر قيمة شعر الحماسة في جانب واحد هو الجانب الفني
متمثلا في قوّة الإيقاع وثراء العبارة، وبذلك يستبعد هذا الموقف كلّ ماله صلة
بالمعاني الحماسية في إنشاء قيمة هذا النمط من الشعر.
التخطيط:
المقدمة:
يتفق الدّارسون على أنّ
شعر الحماسة يحتلّ مكانة رفيعة في مدوّنة الشعر العربي القديم، لكنّهم يختلفون في
تحديد المزيّة في هذا الشعر وإلى ما تعود وقد رأى البعض أنّ هذا الشعر «يستمدّ
قيمته» ممّا يتوخّاه الشعراء من فنون القول وطرائق التعبير إيقاعا وصورة ومعجما
ونفوا بذلك كلّ ماله صلة بما تعبر عنه الحماسة من معاني وقيم.
فما هي الخصائص الفنيّة
التي ميزت شعر الحماسة؟ وهل تقتصر قيمته على هذه الخصائص فحسب؟
I. الجوهر:
1- التحليل:
تمهيد: الحماسة قديمة قدم
الشعر العربي وهي وان لم تكن غرضا شعريّا قائما بذاته فقد اقترنت بكلّ الأغراض
الكلاسيكيّة مدحا ورثاء وفخرا وهجاء. وقد عرفت الحماسة أوج اكتمالها ونضجها الفني
في القرنين الثالث والرابع للهجرة مع أبي تمام والمتنبي وابن هانئ الأندلسي. ويعود
هذا النضج والاكتمال إلى ما تبلور في قصائدهم ذات النزعة الحماسة من ضروب التفنن
إن على مستوى الإيقاع أو الصورة الشعرية أو المعجم.
أ- الإيقاع:
مال الشعراء في مستوى
الإيقاع الخارجي إلى النّظم على البحور الطويلة ذات النفس المديد كالطويل والبسيط
والكامل... أمّا في مستوى الرويّ فقد عمدوا إلى الأصوات الشديدة والمجهورة كالدّال
والميم، والباء، والجيم، واللام... ومن خلالها يقرع الشّاعر سمع المتلقّي بما
يتردد فيها من أصداء القوّة في المعارك.
- يحرص شعراء الحماسة على
إشاعة أصداء القوّة في مستوى الإيقاع الدّاخلي بما يتوسّلون به من اختيارات لفظيّة
توسع دائرة انتشار الأصوات الشديدة كما المفخّمة يقول أبو تمام:
فتى مات بين الضرب
والطّعن ميتة تقوم مقام النّصر إذ فاته النّصر
وما مات حتى مات مضرب
سيفه من الضّرب واعتلت عليه القنا السّمر
فانظر كيف تتعاود الأصوات
المفخمة بشكل لافت في هذين البيتين (ضرب، طعن، نصر، نصر، مضرب، ضرب) وتبرز قوّة
الإيقاع أيضا من خلال الحضور المكثّف لظاهرة التضعيف في الكلام أو لوسائل التأكيد
ومثال دلك هذه الأبيات للمتنبي والتي تردّد صدى العنف من خلال ما ذكرنا.
لقد تصبّرت حتى لات
مصطبر فالآن أقحم حتّى لات مقتحم
لأتركن وجوه الخيل
ساهمة والحرب أقوم من ساق على قدم
والطعن يحرقها الزجر
يقلقها حتّى كأنّ بها ضربا من اللّمم
قد كلّمتها العوالي فهي
كالحة كأنّما الصّاب معصوب على اللّجم
والحقيقة أنّ شاعر
الحماسة إذ يعمد إلى هذه الاختيارات الإيقاعية إنما يسعى إلى محاكاة أجواء المعارك
صوتيّا فيشّكلها تشكيلا سمعيّا قبل أنّ تتشكل دلاليّا، وهكذا تميل العلاقة
الاعتباطية بين الدّال والمدلول إلى أن تصبح مبرّرة فتقوم الأقوال للسامع مقام
الأفعال بل يصبح اللسان أمضى من النصال وأشجع من الفرسان وإذ بالإيقاع يردّد صدى
وقع حوافر الخيل وقعقعة السيوف وغمغمات المقاتلين وصيحاتهم فانظر إلى قول المتنبي:
بناها فأعلى والقنا
يقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم
كيف تتردّد فيه أصوات وقع
السلاح على السّلاح وتمتزج بأصوات معاول البناء نتيجة التزامن بين لحظة القتال
وتحرير قلعة الحدث وبين عملية البناء والتشييد.
لكنّ الشعراء لا يكتفون
بذلك بل سيعمدون أيضا إلى تجويد الإيقاع الداخلي لأشعارهم بما يتوسلون به من ضروب
البديع كالجناس والموازنات والتكرير، وها هو ابن هانئ يبدع في هذه الظواهر بالقول واصفا سفن
المعزّ وخرافاتها:
فأنفاسهنّ الحاميات
صواعق وأفواههنّ الزافرات حديد
أمّا أبو تمام فقد كان
أكثرهم ميلا إلى هذه الفنون الإيقاعية ولا سيما في قصيدة عمورية.
بيض الصّفائح لا سود
الصحائف في متونهنّ جلاء الشكّ والرّيب
أو قوله:
ضوء من النار والظلماء
عاكفة وظلمة من دخان في ضحى شحب
فالشمس طالعة من ذا وقد
أفلت والشمس واجبة من ذا ولم تجب
أو قوله:
تدبير معتصم بالله
منتقم لله مرتقب في الله مرتغب
والواضح ممّا تقدّم أن
شعراء الحماسة إذ يجودون كلامهم على هذا النحو إنما يهدفون إلى إكسابه طاقة جمالية
عالية تهدف إلى إمالة النفوس نحو ما يعلون من قيم البطولة الحربية كما يسعون الى
إثراء الناحية الغنائية التي توقّر المعاني في الأذهان وترسّخها في الذاكرة وتيسّر
حفظها فتلهج بها الألسن وتسير في الآفاق ويتحقّق لها الخلود.
والذي نخرج به بعد ذلك
أنّ للإيقاع في شعر الحماسة خصوصية تمنح هذا الشعر فرادة وهي متأتية أساسا ممّا
يردّده من أصداء القوة المحايثة لأجواء الحروب. فهل يسلك شعراء الحماسة في مجال
الصورة الشعريّة سبلا مخصوصة؟
ب: الصورة
الشّعرية:
ونقصد بها ما يتوسل به
الشاعر من ألوان التشابيه والاستعارات والمجازات وهي مقوّم أساسي من مقومات
الشعريّة وخاصية من أخصّ خصائص الشعر عامّة على أنّ ما يميز هذه الظاهرة في شعر
الحماسة جملة من السمات يكمن حصرها فيما يلي:
- كثافة الميل إلى
استخدام الصّور الفنية في شعر الحرب لدى كلّ من ابن تمام والمتنبي وابن هانئ ذلك
أنّ الحماسة كما يذهب إلى ذلك أحد الدّارسين لا تصوّر حروبا يقدر ما كانت تنجزها
بالشعر أوهي حروب وصف أكثر منها وصف لحروب.
- السّمة الثانية: هو ذلك
الميل إلى تركيب الصّور من عناصر جزئيّة متعدّدة ممّا يجعلها تفيض على البيت
الواحد لتمتد إلى حدود المقطع الشعري أحيانا. ولنا في وصف ابي تمام لما أشعله
المعتصم من نيران في مدينة عمورية خير مثال على ذلك يقول:
تركت أمير المؤمنين بها
للنار يوما ذليل الصّخر والخشب
حتى كأنّ جلابيب الدّجى
رغبت عن لونها وكأنّ الشمس لم تغب
ضوء من النار والظلماء
عاكفة وظلمة من دخان في ضحى شحب
فالشمس طالعة من ذا وقد
أفلت والشمس واجبة من ذا ولم تجب
وكذا يفعل المتنبي في
تصوير خيل سيف الدّولة وهي تقتحم به أوعر المسالك في ذرى الجبال يقول:
تدوس بك الخيل الوكور
على الذّرى وقد كثرت حول الوكور المطاعم
تظنّ فراخ الفتح أنك
زرتها بأماتها وهي العتاق الصّلادم
إذا زلقت مشيتها
ببطونها كما تتمشى في الصعيد الأراقم
أمّا ابن هانئ فيعمد إلى
تركيب الصّورة وهو يتغنّى بسفن المعزّ وحراقاتها في عدد كبير من الأبيات البديعة.
وما راع ملك الرّوم إلا
إطلاعها تنشّر أعلام لها وبنود
عليها غمام مكفهرّ
صبيره له بارقات جمة ورعود
أنافت بها أعلامها وسما
لها بناء على غير العراء مشيد
من الراسيات الشمّ لولا
انتقالها فمنها قلال شمّخ وريود
من الطّير إلا أنهن
جوارح فليس لها إلا النفوس مصيد
من القادحات النّار
تضرم للطّلى فليس لها يوم اللّقاء خمود
إن تركيب الصورة
والارتقاء بها الى مستوى المشهد أمر مطّرد في المقاطع الحماسية ولعلّ ذلك يعود
فيما يعود إلى تعقد المشاهد الحربيّة وكثرة تفاصيلها ومكوناتها التي يسعى الشاعر
الى استقصائها و تجسيدها بكل الإمكانات اللّغوية.
وممّا يميّز الصورة أيضا
نزوعها الحسّي القويّ فتتكاثف الألوان في «المشهد في ثنائيات بديعة من ضوء وظلمة
وشمس ودجى، وليل وصبح، ونار ودخان...» إلى جانب حمرة الدماء التي تكتسح أحيانا
ساحة المعركة لتغطّي على ما سواها. يقول ابن هانئ:
أرض تفجّر كلّ شيء
فوقها بدم العدى حتى الصّفا والجندل
ويقول المتنبي:
هل الحدث الحمراء تعرف
لونها وتعرف أي الساقيين الغمائم
سقتها الغمام الغرّ قبل
نزوله فلمّا دنا منها سقتها الجماجم
أمّا أبو تمام فيقول:
تردّى ثياب الموت حمرا
فما أتى لها اللّيل إلا وهي من سندس خضر
السمة الثالثة التي تميز
طريقة الشعراء في التعامل مع التشابيه والاستعارات فهو ميلهم إلى التضخيم
والمبالغة والتهويل وهو ميل مرتبط بالرغبة في الارتقاء بالأعمال الحربية إلى مستوى
الانجازات الخارقة والمذهلة التي تتجاوز قدرة البشر العاديين ولنا في قصائد
الشعراء الثلاثة أمثلة كثيرة على ذلك مثل قول ابي تمام يصف استسلام مدينة عمورية
للمعتصم بكلّ سهولة رغم استعصائها على غيره من الملوك على الدّهر:
وبرزة الوجه قد أعيت
رياضتها كسرى وصدّت صدودا عن أبي كرب
بكر فما افترعتها كفّ
حادثة ولا ترقّت إليها همّة النوب
من عهد اسكندر أوقبل
ذلك قد شابت نواصي الدّهر وهي لم تشب
حتى إذا مخّض الله
السّنين لها مخض البخيلة كانت زبدة الحقب
وصورة الدهر الذي «أصبح
ذليلا مطاوعا (عند القائد) مثلما كانت قد طاوعته شروط الرياسة والكياسة «ظاهرة
تطرّد بشدّة في الحماسة عامّة ولدى شعرائنا الثلاثة خاصة ففي ذلك يقول المتنبي
واصفا قدرة سيف الدولة على قهر الزمان.
إذا كان ما تنويه فعلا
مضارعا مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
تفيت الليالي كل شيء
أخذته وهن لما يأخذن منك غوارم
ولا شك أن مثل هذا النزوع
إلى خلع القدرات الخارقة على أبطال الحرب قد طغى على مدحيات ابن هانئ أيضا الذي
أحاط المعز بهالة قدسية وجعله محاطا بالرعاية الإلهية وصاحب كرامات تقاتل إلى
جانبه كتائب خفية من الملائكة وتسنده عناصر الطبيعة وتحميه من أعدائه وتبشر
بانتصاره:
ولله ممّا لا يرون
كتائب مسوّمة يحدو بها وجنود
أطاع لها أنّ الملائك
خلفها كما وقفت خلف الصّدور ردود
وأنّ الرياح الذّاريات
كتائب وأنّ النجوم الطالعات سعود
تلك إذن أهمّ ما ميّز
الصورة في شعر الحماسة لدى شعرائنا الثلاثة ولا شك أنّنا نلاحظ أنّهم قد أولوها
أهميّة فائقة ليس فقط لأنّ الشعر في جوهره ضرب من التصوير وإنما لكون الصّورة في
هذا السعر تتجاوز الغاية الجمالية على أهميتها وقد تهدف إلى تشكيل المعارك تشكيلا
بصريّا حتّى يقوم الكلام في الشعر مقام الأفعال في ساحة الوغى، على أنّ الصّورة في حد
ذاتها إنما تغتني من ثراء المعجم وتنوعه في القصائد الحماسية. ويبرز ذلك من خلال
تواتر سجلات بعينها أهمّها:
- معجم الحرب وحضوره قويّ
من خلال كثافة أسماء الأسلحة: من سيوف ورماح ودروع وقادحات وخيل وسفن وجيوش
وغيرها... ويتصل بهذه الأسماء سجلات القتل والدّماء والفتك والتنكيل وتتفاعل سجلات
الحرب مع معجم ديني، أخلاقي إذ يقدم القادة على أنّهم يخوضون حروبهم دفاعا عن حرمة
الدين وعن الحق والخير وهو ما يخلع على أعمالهم بعدا جهاديّا دينيّا مقدّسا كما قد
يشحنها أحيانا بعمق عروبيّ واضح كما في مدحيات المتنبي لسيف الدولة.
والقائد الحربي في شعر
الحماسة يجمع إلى غيرته على الدّين صفات أخلاقية فريدة جوهرها عفة النفس والترفّع
عن الملذات والزهد في متاع الدّنيا وهو ما يؤهله ليكون قائدا صلبا قوي الشكيمة.
يقول أبو تمام يصف هبوب المعتصم لنصرة المسلمين تاركا حياة الدّعة في القصور:
لبيت صوتا زبطريّا هرقت
له كأس الكرى ورضاب الخرد العرب
عداك حرّ الثّغور
المستضامة عن برد الثغور وعن سلسالها الحصب
أجبته معلنا بالسيف
منصلتا ولو أجبت بغير السّيف لم تجب
والذّي نخرج به من دراسة
الخصائص الفنية لشعر الحماسة أنّ هذه الخصائص تجعلنا نقر بما لهذا الشعر من قيمة
فنيّة ارتقت به إلى مستوى القول الشّعري المخصوص وبوّأته تلك المكانة ضمن موضوعات
الشعر العربي الأثيرة.
ولكن السّؤال الذي يظلّ
قائما هو هل يكتسب شعر الحماسة على وجه الخصوص أهميّته من هذه الناحية فحسب.؟
II. النقاش:
إن شعر الحماسة شأنه شأن
سائر الأشعار ليس مجرد صنعة فنية أو ترف جمالي بل إن المقومات الفنيّة في حدّ
ذاتها لا قيمة لها متى كانت خالية من المعاني والدّلالات والذي نلاحظه أنّ أطروحة
الموضوع قد غيبت هذا البعد الثاني والحال أنّه لا يقل أهمية عن الأول تبرز فيما عبر
عنه هذا الشعر من قيم جليلة ومعاني نبيلة يمكن حصرها فيما يلي:
لقد أشاد الشعراء
بالبطولات فتغنّوا بالشّجاعة ووصفوا بها ممدوحيهم ومجّدوا بسالتهم في الحرب كما
مجّدوا الحنكة في قيادة الجيوش والقدرة على تحمل المكارة ورباطة الجأش.
ولم يكتف شعراء الحماسة
بالتغنّي بالشجاعة والبطولة الحربية بل تجاوزوا ذلك إلى الإشادة بالمنجزات
العسكرية فاحتفوا بهزم الأعداء والتنكيل بهم وأسرهم وأشادوا بفتحهم للمدن والثّغور
أو استرجاع القلاع والبلدان التي افتكّها منهم الأعداء (عموريّة، قلعة الحدث،
جزيرة صقلية...)
وكان لإخماد الفتن
الدّاخلية ومعاقبة المنشقين نصيبه من شعر الحماسة.
وقد أعلى الشعراء من هذه
الانجازات وحولوها إلى أحداث خارقة يؤرّخ بها (يوم أرشق، يوم المجاز، يوم
الحدث...) ويفتخر بها العرب والمسلمون والإنسانية جمعاء.
ولست مليكا هازما
لنظيره ولكنّك التوحيد للشرك هازم
تشرف عدنان به لا ربيعة
وتفتخر الدنيا به لا العواصم
وهكذا فانّ هذه المعاني
الجليلة والقيم النبيلة تعدّ مكوّنا هامّا من مكونات شعر الحماسة لا يمكن تغييبه
أو التقليل من شأنه بل لعل هذه المعاني هي التي حفزت الشعراء على التفنن في
صياغتها وإخراجها على درجة من الإتقان والجمال سعيا إلى إمالة النفوس نحوها وعطف
القلوب عليها وتحبيب الناس فيها.
على أنّه قد يكون لشعر
الحماسة قيمة أخرى تتّصل بما فيه من بعد تاريخي توثيقيّ إذ قد كان مجالا سجل من
خلاله الشعراء كثيرا من الوقائع والأيام وأبرزوا على واجهة التاريخ قادة عسكريّين
أفذاذا لم تكترث بهم كتب التاريخ التي كثيرا ما تنسب الانتصارات في الحروب إلى
الأمراء والحكام والخلفاء وتتناسى دور القادة الميدانيّين. وهذا البعد التاريخي
واضح من خلال حضور القرائن الزمنية وأسماء الأعلام والأماكن.
التأليف:
للحماسة إذن قيمة فنية
جمالية لا سبيل إلى إنكارها لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال التغافل عمّا لهذا
الشعر من أهمية إن في مستوى ما عبر عنه من معان جليلة وان في مستوى الوقائع التي
نفض عنها غبار النسيان.
والحقيقة أنّ هذه الأبعاد
المختلفة تتكامل وتتفاعل وتتضافر لتعطي لهذا الشعر تلك المكانة المميزة في الشعر
العربي وفي وجدان الجمهور وذائقته وبذلك فانّ تغييب جانب من هذه الجوانب لا يستقيم
معرفيّا وأدبيّا لأنّ الشعر العظيم هو ذلك الذي يحقق المعادلة الصعبة بين الفن
والدّلالة والشكل والمضمون والجمال والفكرة.
الخاتمة:
والذي تنتهي إليه أنّ
أهميّة شعر الحماسة تعود إلى ما توخاه الشعراء من ضروب التفنّن في الإيقاع
والعبارة كما تعود إلى ما احتفوا به من معاني الشجاعة والبطولة الحربية وما عبّروا
عنه من قيم إنسانية سامية وأيضا إلى ما سجلوه من وقائع تاريخيّة ما تزال بفضل
الشعر حيّة في الذاكرة الجماعيّة للعرب والمسلمين ولما كان الشعر الحماسي هو جماع
كل ذلك فاّنه يمكننا التساؤل لماذا ظلّ هذا الشعر حبيس الأغراض الكلاسيكيّة رغم
اكتمال المقومات التي تؤهّله إلى أن يستقيم غرضا مستقلاّ بذاته؟
للحصول على النسخة الجاهزة للطباعة: اضغط هنا
للحصول على النسخة الجاهزة للطباعة: اضغط هنا